ملفات حوارات قضايا مختارات فتاوى أخبار و تقارير الرئيسية


الفضائيات الإسلامية.. بين الواقع والطموح:

 

الداعية النجم أو الماركة التجارية الدينية..؟

 
 

موضوع الفضائيات هو موضوع الساعة، حيث تعتبر من أعظم المنابر تأثيرا على أفكار الناس وقناعاتهم، لاسيما وأن عدد الفضائيات الناطقة بالعربية تجاوز المئات، ومن هنا أردنا أن نتحدث عن واقع الفضائيات لاسيما الإسلامية منها، والطموح الذي نأمل أن تصل إليه.
لذلك ليس من الغريب في شيء أن تكون البرامج الدينية، والمتصلة منها بالوعظ خاصة، مثار جدل واختلاف في الرأي حول المضامين التي تنقلها وحول الخطاب الديني الذي تنشره، وأن تطرح التساؤلات حول طبيعة ذلك الخطاب، وما إذا كان يدفع بالمشاهد في جهة الدعوة إلى السلم والحوار وإعمال العقل في المشكلات والقضايا، أم كان تصويراً للغلو في الدين وكان أصحاب ذلك الخطاب غلاة، أحايين كثيرة، في اتجاهات تبتعد عن الدين ومراميه البعيدة.
يتساءل البعض عن جدوى تلك الفضائيات الدينية وما إذا كان المسلمون في حاجة إليها. ويتساءل البعض الآخر عن الصلة الصريحة أو الضمنية بين نبرة الخطاب فيها والحرص على الاقتصار على قضايا وموضوعات بعينها وبين انتشار الغلو من جانب، وشيوع ثقافة رفض الآخر المخالف في الملة والعقيدة ونعته بأقذع الأوصاف والألفاظ. ويتساءل البعض عما إذا كانت تلك الفضائيات تخدم، حقيقة، قضايا الإسلام والمسلمين في عالمنا المعاصر أم إنها، على العكس من ذلك، تسيء إلى الدين الإسلامي وأهله أبلغ الإساءة ـ ما دامت تحرص على تقديم الإسلام في صورة ليس من شأنها أن تحمل الخصوم على اعتباره دين علم وعقل وحوار وسلام. تموج الساحة بهذه الأسئلة كلها، وبأخرى غيرها، ولكن ذلك لا يمنع من واقع إقبال كبير، كثيف في بعض المناطق من الوطن العربي، على مشاهدة تلك الفضائيات لا من قبل الشيوخ فحسب بل ومن الشباب والصغار في مقتبل العمر.
نحسب أن السؤال الأكثر أهمية، بالنسبة لهذه الفضائيات، هو ذاك الذي يتعلق بنوعية الخطاب الذي تقوم بنشره ـ وهو ذاك المتعلق، من جهة أخرى، بالصورة التي ترسمها للإسلام أو التي تمارس بها القناة أو الفضائية الدينية، بحسب ما تمتلكه التلفزة من قوة التأثير في عالمنا الإسلامي، رسم تلك الصورة وتكييفها في الأذهان: أذهان المتلقين المسلمين من جانب، وأذهان الملاحظين الأجانب من جانب آخر. ولست أريد، في هذا الصدد، أن أتجاوز إثارة لأطرح جملة من التساؤلات: ما القول في الوعاظ الذين يأخذون الكلمة في تلك القنوات؟ هل يمتلكون دوماً صفة الشرعية والأهلية، وسبيل تلك معرفة الدين على حقيقته والنظر إلى واقع الإسلام وما عليه المسلمون من العسر، وما هم عرضة له من تهم بالغلو والتطرف... وتوجيه نحوهما؟ ما القول، خاصة، في فئة «الوعاظ الجدد» ـ أولئك الذين لا يعتمرون الجبة ولا يزينون رؤوسهم بالعمائم وفي معناها، بل يفضلون البذلة الإيطالية والفرنسية الفاخرة، وربطات العنق النادرة والذقن الحليق.. ويسلكون حديث «الحكواتي» الذي يصور النبي وصحابته في حال من الغرابة لا تفيد دوماً في التقريب، ويتوهمون مشاهد «القيامة» والوقوف بين يدي الخالق في يوم الدين ـ ثم، ما القول في خطابات ترسم للدين الإسلامي صورة لا تخرج عن أحد معنيين: فإما إسلام الغلو ـ وأساس الغلو الجهل في الدين والقول في الدين عن جهل. وإما إسلام قوامه الانصراف عن الحياة العملية والالتجاء إلى كنف الروحانيات الغريبة عن روح الإسلام والتهيؤ لسلوك طرق «الطريقة» ودعوى الاحتماء من لهيب الغلو بنعيم العالم الروحاني المفارق للمادة (وهو مما ليس في الدين الإسلامي أيضاً). وأما إسلام العقل والحوار والدعوة إلى العلم واحترام درسه، وطلب المعنى البعيد للشريعة ومقاصدها، وبالتالي دين المواءمة السعيدة بين شروط الإيمان ومقتضيات الحياة المعاصرة فابتعاد عنه وتنكب عن طريقه.
أما الصلة بين «الإعلام الديني» على النحو الذي يلزم للتلفزة أن تمارسه (فضائيات متخصصة أو برامج دينية في قنوات عادية، عامة) وبين مطلب المراجعة الكاملة والتوافر على الرؤية الجامعة والمشروع الشامل أو ما نعتقد أنه سبيل التجديد الديني فهي صلة لا تدق عن الافهام ولا تحجب فلا ترى عند ذوي البصيرة ودعاة إعمال العقل والعلم ـ أساس الدين وعماده.

.............................

الفضائيات الدينية واستهداف "الدعاة الجدد"

من الإنجازات الجديدة الظاهرة للعيان والأكبر مفعولا في استقطاب "اهتمام" جيل المستقبل ومتابعته، تلك التي تنطلق أساسا من دوافع إسلامية، ومنها ما يوصف بظاهرة الدعاة الجدد.
وليس مجهولا أن عمرو خالد يذكر قبل سواه عند الحديث عن هذه الظاهرة، ولهذا يمكن اعتبار ما يتعرّض إليه نموذجا وقد أصبح مستهدفا أكثر من سواه، ويلفت النظر أن هذا الاستهداف يشمل: العلمانيين في مختلف معاقلهم الموروثة، وكثيرا من الجهات الرسمية رغم حرصه الشديد على تجنب مواجهات مفتوحة، والعديد من وسائل الإعلام الأوسع انتشارا، المشبوهة على الأقل، وإن كان بعضها يخصص للإسلام "زاوية ما" في خضم أنشطة هدّامة لمعظم ما يدعو الإسلام إليه عقيدة وفكرا وخلقا وسلوكا.
إن الدعوة إلى الله يمكن أن تتناقض مباشرة مع أساليب تأويل قديمة ومستحدثة، فاسدة المنطلق والهدف، للنصوص، وممارسات عتيقة وجديدة في ميادين الآداب والفنون ومختلف وسائل تكوين الشخصية الفردية والجماعية للأمة، بل تتناقض الدعوة إلى الله على طريق وسطية الإسلام كما أُنزل، مع كثير مما انتشر من أساليب باهتة تقليدية، تحصر رحابة الإسلام في قوالبِ ضيقِ الأفق تدبرا والجمود مظهرا والتعنت مسلكا.. أما أن يضيق بعض الناقدين من منطلق إسلامي بخطأ أو زلل يصدر عن أحد الداعية الجدد، فيصورونه كما لو كان "ينقض" عرى الإسلام ويفسدها ويميعها، فلا يمكن أن يستقيم مع تأكيدهم الحرص على الإسلام نفسه، ولكن يمكن تفسيره بأنه يصدر عن خشية متنامية من أن يصبح نصيب أسلوبهم هم في الدعوة ضحلا على صعيد تجاوب جيل المستقبل، وفي هذه الحالة يتحول النقد البناء إلى اصطناع جبهات داخلية، ويهبط مستوى النصيحة إلى مستوى قريب من إلحاق الأذى. 
..............................
 
قناة الناس والمنجم السلفي!

مثلما كانت الفضائيات الوسيط الذي صنع هؤلاء الدعاة الجدد حصريا وفق شروط وآليات صناعة النجم التلفزيوني فقد توازى مع ذلك سعي هذه الفضائيات إلى استجلاب رموز دعوية كان لها حضورها الأكبر عبر وسائط دعوية تقليدية (مثل المسجد) لكنها تناسب هذا الوسيط الجديد على الأقل وفق منطق النجم، وهنا يمكن أن نتوقف مع ما فعلته قناة "الناس" مع عدد من رموز الدعوة السلفية المعروفين من أمثال الشيخ محمد حسين يعقوب والشيخ أبو إسحاق الحويني والشيخ محمد حسان والشيخ محمود المصري؛ بعدما تحولت "الناس" إلى فضائية إسلامية وكانت في أول أمرها قناة غنائية تقدم الفيديو كليب مثل شقيقتها قناة "الخليجية" وكلتاهما ملك لرجل الأعمال الخليجي منصور بن كدسة.
لقد اختطت قناة "الناس" لنفسها خطا جديدا في التعامل مع الوعظ الديني فلم تلتفت كثيرا إلى نجوم الوعظ التلفزيوني المعروفين وفضلت أن تعتمد على جذب أبرز دعاة التيار السلفي الغائب (أو المغيّب في الواقع) عن وسائل الإعلام والفضائيات خاصة وأتاحت الفرصة لهم لتقديم دروسهم الوعظية على شاشتها.. كانت قناة الناس أكثر حنكة من الآخرين؛ فقد استثمرت في تيار صاعد لا يجد من يمثّله أو يعبّر عنه في وسيط الفضائيات التي تغطي سماء العرب والمسلمين، وهي اختارت أن يتم ذلك وفق معادلة مأمونة على الأقل سياسيا فقد اقتصرت على التيار الوعظي غير المسيس في الدعوة السلفية وغير القابل للتسييس تحاشيا لغضب أجهزة الأمن التي تميز في داخل السلفية بين سلفيات متعددة حتى داخل السلفية العلمية نفسها فتسمح بظهور بعضها كما في تيار الوعظ ولكنها تمنع تماما أي حضور للتيار القابل للتسييس كما هو الحال في مدرسة الدعوة السلفية في الإسكندرية التي رغم انتمائها للسلفية العلمية لديها وعي سياسي متقدم وروح حركية مازالت تحملها من زمن نشأتها ضمن تيار الجماعة الإسلامية في جامعات مصر في حقبة السبعينيات من القرن المنصرم.
ثمة تلازم وثيق لا تنفصل فيه ظاهرة الدعاة الجدد عن ظاهرة انتشار الفضائيات الدينية وتعاظم حضورها وتأثيرها في الفضاء الديني، وهو تلازم يمكن رصده وتتبعه عبر مستويات عدة تتبادل فيها المواقع أحيانا ويقف الاثنان على قدم المساواة فيها أحيانا أخرى وكلها تتضافر -وهذه هي المفارقة- على الاتجاه بالفضاء الديني نحو مزيد من العلمنة!.
.......................................

الفضائيات و"علمنة" التدين

لم تقف التحولات الكونية عند حدود علاقة الدين بالفضاء العام؛ رموزه وطقوسه ومعانيه بل امتدت أيضا وفي العمق لتنال من الدين نفسه مفهوما وممارسة لتسير باتجاه مزيد من "علمنة" التدين وهو ما تشارك فيه ظواهر مثل الفضائيات الدينية والدعاة الجدد بامتياز.
تتم "علمنة" التدين عبر نقل النقاش حول الدين إلى الفضاء العام وليس إلى دوائر العلماء والمختصين، والفضاء العام هو عادة فضاء علماني بامتياز يقوم على الحوار والنقاش فيما يسمي بالديمقراطية الاتصالية التي تلعب فيها الميديا دورا محوريا.. حيث تسرع الميديا -وفق منطق المنافسة- وتيرة النقاشات الدينية على أساس من الحوار والاختلاف وتزايد الخيارات الفردية.. وشيئا فشيئا تتلاشي فكرة الحفاظ على رؤية أو تفسير ثابت أو وحيد أو حتى متفق عليه للنص الديني وهذا هو جوهر علمنة الدين.

.............................

إدخال الدعوة في منطق السوق

بتعدد المراجع الدينية الذي تساهم في خلقه الفضائيات الدينية ودعاتها الجدد تتعدد بدورها الفتوى الدينية بعدما تحول الدين إلى المجال الفرداني غير الجماعي (الذي هو أصل الإسلام)، وتدار تلك التعددية وفق منطق الاختيار والعرض والطلب الذي هو منطق السوق.
إن قراءة معمقة لظواهر مثل الفضائيات الدينية والدعاة الجدد لا يمكن أن تبعد بهما عن كونهما نتاجا لمنطق السوق سواء في تعامله مع الدين من خلال تعددية تفرض منطق الاختيار ومن ثم العرض والطلب كما أسلفنا، أو من خلال كونهما يقومان على إدخال "الدعوة" نفسها ضمن منطق السوق من حيث قوانين العرض والطلب وما يتبعها من مفردات أهمها ما صار يعرف – ربما لأول مرة في تاريخ الإسلام- بحقوق الملكية الفكرية للدعاة!. وهي حقوق توفر لصاحبها الداعية حجية ملاحقة كل من لا يقر له بالملكية الفكرية للمنتج الدعوي ويؤدي له مقابلا ماديا عنه! كما صار يفعل داعية مثل عمرو خالد الذي طالب في آخر قضاياه بشأن حقوقه الفكرية بتعويض قيمته المليون جنيه!.
كما يمكن أن نرصد في هذا الصدد أنماطا من علاقة "السوق" بين هؤلاء الدعاة وبين أرباب هذه القنوات من توظيف واحتكار وتنافس؛ حيث يوقع الداعية مع القناة حق احتكار حصري يمنع بموجبه من تقديم دروس الوعظ الديني (الدعوة!) في أي قناة أخرى (منافس آخر!)، وهو نمط من العلاقات يؤثر في جوهر المضمون الديني المقدم خاصة في بعض القضايا المتعلقة بطبيعة عمل هذه القنوات واستثماراتها، وفي هذا يمكن التوقف كثيرا عند علاقة الداعية عمرو خالد بالمستثمر ورجل الأعمال السعودي صالح كامل صاحب قناة اقرأ (التي كانت تبث برامج عمرو) وباقة قنوات الإيه آر تي التي تعمل بنظام الشفرة ويؤدي عنها اشتراكات مالية. ففي ضوء هذا النمط من علاقة "السوق" أفتي عمرو خالد ( رغم أنه دائم التأكيد على أنه داعية وليس مفتيا!) بحرمة وصلات الستالايت التي انتشرت في معظم البلاد العربية الفقيرة للتحايل على المنع الذي يتيح لمشتركي هذه القنوات المشاهدة الحصرية لبعض البرامج والمباريات التي احتكرت القناة حق بثها حصريا!
.............................

الداعية النجم أو الماركة التجارية الدينية

تصنع الفضائيات دعاتها الذين يكونون على شاكلتها يتشابهون فيما بينهم حد التنميط حتى يصح القول أن ما يجمع بين الدعاة التلفزيونيين عبر العالم أكثر مما يفرقهم أيا كانت دياناتهم، ومن ثم فلم يكن غريبا هذا التشابه الكبير بين الدعاة الجدد في العالم الإسلامي وخاصة عمرو خالد وبين نظرائهم الإنجيليين في الولايات المتحدة الذين كانوا الأسبق ظهورا، على أن التيمة الأساس التي تجمع بينهم هي تيمة "النجم": الداعية النجم أو النجم الداعية وما تقوم عليه من منطق دعائي تسويقي أساسه صناعة النجم الذي يتأيقن ويصير أيقونة تحمل قيمتها في ذاتها، ليتحول لاحقا إلى ماركة تجارية!.
لم تكن فكرة الداعية " النجم " يوما أصيلة في فضاء الدعوة الإسلامية، بل هي وليدة منطق السوق وزمن الدعوة في الفضائيات، وقد أشاعها الدعاة الجدد في الحقل الدعوي رغم أنه "يفترض" أن يختلف تقليديا حد التناقض مع فكرة النجومية، فـ(الحق لا يعرف بالرجال ولكن يعرف الرجال بالحق واعرف الحق تعرف أهله) وحيث ثقافة راسخة في رفض الشهرة والحذر منها والتحذير من عواقبه.
..............................

الفضائيات الدينية.. أزمة خطاب

الفضائيات الدينية، رغم تأخرها في لحاق الركب الإعلامي العربي المستقل، إلا أنها استطاعت منافسة باقي الفضائيات في اقتسام كعكة المشاهد العربي. فضائيات مازال أغلبها في طور البث التجريبي وتبحث عن رؤية إعلامية واضحة وقادرة على ملامسة الواقع وفهم اللعبة الإعلامية، حيث مازال عنصر التكرار والسطحية وضعف الشكل الفني والتقني يطغى على أغلب هذه الفضائيات، زيادة على تبني النهج السلطوي الذي يمارس الأستاذية والوصاية المباشرة، والذي لا يراعي خصوصيات مجتمع عربي حديث وشبابي (هذه الفئة التي تشكل نسبة 60%)، والتي تميل أكثر إلى التحرر وفتح قنوات من الحوار وتنبذ السلطوية والتحكم فيها.
مؤخراً بدأت بعض الفضائيات الدينية تدخل عامل الترفيه على جل برامجها، فاطنة إلى طبع الإنسان الميال للترفيه والترويح على النفس خاصة في زمن العولمة هذا. فيما فضائيات دينية أخرى مازالت متمسكة بنهجها الديني وخطابها الإعلامي، غير آبهة بالثورة الإعلامية على مستوى الشكل والمضمون.
يبقى وجود فضائيات دينية في الساحة الإعلامية العربية والعالمية ضرورة حاسمة في الحفاظ على الهوية الإسلامية، في ظل هذا التطور الإعلامي والتقاط المشاهد العربي للعديد من القنوات العالمية، والذي لا يتوفر على مناعة تحميه من خطر الإعلام الغربي، خاصة في إطار الحملة الشرسة التي يواجهها العالم العربي الإسلامي من أجل مسخ الهوية الإسلامية وتشويه صورة الإسلام في ذهن المشاهد في كل أنحاء العالم، وذلك بالترويج لصفات تنسب للإسلام، كالإرهاب والتطرف والجمود والتخلف...
هنا إذن يتضح دور هذه الفضائيات الدينية في التصدي لهذه الحملات والحفاظ على عقيدة وهوية المسلم. لكن يجب عليها تبني نهج جديد قادر على فهم اللعبة الإعلامية، وتطوير المنتوج الإعلامي على مستوى الشكل والمضمون ونبذ الصراعات، والخلافات المذهبية والطائفية التي تزيد من نفور الإنسان العربي منها بحثاً عن قبلة أخرى يجد فيها ضالته دون مناعة تقيه شر تلك القبل، وهنا يبقى السؤال الذي يفرض نفسه في واقعنا الإعلامي: ألا تعاني الفضائيات الدينية من أزمة خطاب؟
..............................

غياب التخطيط الارتيادي لبعض الفضائيات الإسلامية

لا شكَّ أنَّ كلَّ عملٍ كبير لا بُدَّ له من خُطة عمل رشيدة، تتَّضح فيها رؤية هذا العمل ورسالته، وتظهر من خلالها أهميَّته وأهدافه، وتُوضَع لأجل ذلك برامجه، وتتجدَّد أساليبه ووسائله، وتعالَج سلفًا نقاطُ الضَّعف فيه، كما يُستفاد من نقاط القوَّة والإجادة، ويستوعب أصحابه وأربابُه ذلك التخطيطَ، فينضبطون في أدائهم برؤيتهم ورسالتهم الإستراتيجيَّة.
والذي يبدو جَليًّا أنَّ كثيرًا من هذه القنوات لَم تعطِ جانب التخطيط أهميَّته، ولَم تجعلْ له أولويَّة، ومَن اهتمَّ بذلك بشكلٍ نظري لَدَى البدايات، لَم يتقيَّد به عندما تشعَّبَتْ به المسارات، وتعدَّدت أمامه الاختيارات، أو زادتْ عليه الضغوطات، وهذا بدوره أحدثَ خروقات منهجيَّة، وأضعَفَ من أثرها، وقلَّل من قيمتها، كما أنَّ ضِيق الأُفق، ومحدوديَّة الرؤية، والتركيز على اللحظة الراهنة دون التطلُّع للمستقبل - أسهم سلبيًّا بشكلٍ كبير.
والذي لا ينبغي أن يغيبَ عن أرباب هذه الفضائيَّات: أنَّها تُعتبر وسيلة فعَّالة لاستعادة المبادرة والريادة الحضارية للأمة الإسلاميَّة، بعد أنْ أفلت الزمام مدَّة ليستْ بالقليلة، وهذه الوسيلة مع حَدَاثتها قد أثبتتْ فاعليتها كخطِّ دفاع قوي عن ثوابت الأمَّة، واخترقتْ واقع وحياة فئات كثيرة ظلَّتْ مستعصية على الوصول إليها عبر الوسائل التقليدية للدعوة والإعلام، وعليه؛ فإنَّ هذا يُشدِّد على أهمية بَلْوَرة الرؤية والرسالة الإستراتيجيَّة، بنفس الإصرار الذي يحمل على امتلاك ناصية هذه التقنية الإعلاميَّة.
ورسالة القناة الفضائية رسالة منضبطة بتحقيق العبودية، متجنِّبة لكلِّ مظاهر العبثيَّة، ولو كان ذلك في الترويح والترفيه، فلا بُدَّ من تبصيرٍ بعالمية هذا الدِّين، وصلاحية شريعته للعالمين، وتذكير المسلمين أولاً بعزَّتهم وحضارتهم، وأصالة دورهم في هذه الحياة، وإذكاء رُوح المبادرة الإيجابيَّة، والعِزَّة الإيمانيَّة، والعمل على ترميم الواقع الثقافي والأخلاقي للأُمة، وتوثيق أواصر المودَّة والرحمة والأخوَّة بين المسلمين في أرجاء المعمورة، والمنافحة عن قضايا الأقليَّات المسلمة، والعمل على ربْطهم بالجسد الإسلامي الكبير.
وبناءً على خُطوط الرؤية والرسالة العامة، تنشأ تلك البرامج، وتُتَّخذ تلك الوسائلُ والأساليب، التي تنضبط بضوابط الشرْع المطهَّر؛ حيث لا انفصال بين الوسيلة والغاية، ولا مساومة على الثوابت الشرعيَّة، في الوسائل والأساليب الإعلاميَّة.
وبكلِّ حالٍ، فإنَّ على أرباب القنوات الفضائية الدينيَّة أنْ يُعيدوا على أنفسهم أسئلةً، الإجابةُ عنها تمثِّل مبررًا للانطلاق والاستمرار، وهي بمجموعها تشكِّل تلك الرؤية الدقيقة والواضحة للقناة الفضائية؛ حتى تؤدِّي دورَها في البناء الحضاري لهذه الأُمة.
..........................

الضوابط الشرعية للقناة الإسلامية

خلوها من الموسيقى والمعازف، خلوها من النساء المتبرجات وهنا ننبه إلى أنه يوجد فرق كبير بين مسألة حكم كشف وجه المرأة، ومسألة النظر إلى وجه المرأة، فالله تعالى يقول: "وقل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم••"•
عدم اختلاط الرجال بالنساء وجلوس بعضهم بجانب بعض بصورة قبيحة، فالنبي [ قال عن صف الرجال المصلين في آخر المسجد (شر صفوف الرجال آخرها) وليس ذلك لشيء إلا لقربهم من النساء، ولم يشفع لهم للخروج من هذا الشر كونهم في مسجد وكونهم متلبسين بعبادة الصلاة وكونهم مستدبرين النساء•
تجنب المردان والفاتنات كما هو الحال في بعض البرامج التلفزيونية، واختيار الأسماء المناسبة للبرامج، والابتعاد عن الأسماء الخادشة للحياء والذوق العام•
الحرص على سلامة العقيدة: لاسيما في قضية التوحيد والإيمان والتحذير من الشرك والبدع وغيرها من مخالفات الإسلام، والحرص على اجتناب ما حرم الله، وعدم التنازل، ولايقال هذه مرحلية أو أن هذه الفضائية تصلح لمكان ولا تصلح لآخر أو لفئة دون أخرى، لأن من مقررات الشريعة أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان وأمة، ففي هذا طعن في الإسلام من حيث لا يشعر المتكلم.
...........................

المسؤولية الإعلامية للفضائيات الإسلامية

إن المسؤولية الإعلامية في الرؤية الإسلامية، تنطلق من مبدأ أن الدين الإسلامي دين دعوة ورحمة للناس أجمعين، ولا يختص بفئة دون أخرى، ومادة هذه المسؤولية هي الكلمة التي "يخضع مبدعها للحساب كالفعل تماماً"، وهي تنقسم إلى طيبة وخبيثة، قال تعالى: {ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون، ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ويضل الله الظالمين، ويفعل الله ما يشاء}.
وإن هذا لهو بحق: الإعلام الإسلامي المسؤول والراشد، الذي ينطق بالكلمة الطيبة وينبذ الكلمة الخبيثة، إحقاقاً للحق ومحاربة للباطل، والأحاديث النبوية الشريفة أوضحت بلا لبس أهمية ودقة ومسؤولية الكلمة، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حذر في أحاديث كثيرة من مغبة الكلام، بل إنّ هناك أحاديث صريحة تدعو الإنسان كما قال الإمام النووي رحمه الله إلى "أن لا يتكلم إلا إذا كان الكلام خيراً، وهو الذي ظهرت مصلحته، ومتى شك في ظهور المصلحة لا يتكلم"، و"أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاماً ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة فالسنة الإمساك عنه، لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وذلك كثير في العادة والسلامة لا يعدلها شيء"،
ومن هنا يمكن تأكيد المسؤولية الكبيرة الملقاة على كاهل الفضائيات الإسلامية، من حيث تأثيرها على الفرد والمجتمع.. وسوف نستعرض في بحثنا هذا بعضاً من المسائل ذات الصلة، التي تبين مدى هذا التأثير، وخطورة هذه المسؤولية.
..............................

الفضائيات الإسلامية وعقدة الدراما

كثرت الفضائيات الإسلامية التي تقدم البرامج الدينية بأشكال أقرب إلى الاستنساخ منها إلى التجديد والابتكار، فعندما تشاهد قناة دينية ما وتنتقل إلى أخرى لا تجد فروقا تذكر إلا في شخص المتحدث واسم البرنامج، فقد تشابه المحتوى بدرجة تقترب من التماثل، وهو ما أوجد تخمة تفتقر إلى العافية، وحصر جمهور تلك الفضائيات في شرائح معينة بل وفي أوقات معينة كالمناسبات الدينية مثل رمضان، واستحوذت تلك الفضائيات على اهتمام ربات البيوت والقواعد من النساء.
الفضائيات الإسلامية المنتشرة تقدم خدمة الفتوى والوعظ والإرشاد وسرد السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي، وغيرها ، لكن القالب الإعلامي الذي تقدم فيه تلك البرامج يكاد يكون مستقرا حول شيخ يفتي أو يتحدث للجمهور أو حتى يدير برنامجا حواريا تفاعليا، وهذا كله جيد، لكن يبقى أنه لا يجب أن يكون هو المكون الرئيس للخريطة البرامجية في تلك الفضائيات.
فهناك غياب واضح للدراما في تلك الفضائيات، رغم أهمية الدراما من مسلسلات وأفلام في التأثير في وعي المشاهد في الوقت الراهن، فالمسلسلات الاجتماعية التي تعرض يوميا أصبحت العائلة في الكثير من المجتمعات العربية تلتف حولها وتستمع إليها، لأنها قد تجد فيها نفسها من خلال المشكلات التي تعرض لها، أو جاذبية الموضوعات التي تتطرق لها، أو تتقاطع الدراما مع اهتمامات الأشخاص، وبالتالي تكون مادة خصبة لحديثهم واستشهاداتهم في مواقفهم الحياتية.
أما أهم المعوقات التي تقف أمام الفضائيات الدينية في إنتاج دراما هادفة وذات مستوى فني راق، تكلفة الانتاج العالية لتلك الدراما والتي تصل ملايين الدولارات في المسلسل الواحد، وضعف القدرات التسويقية للقنوات الدينية وهو ما يجعل عبء الإنتاج ضخم، ومحدودية الموضوعات التي تفكر تلك الفضائيات في إنتاجها وهو ما جعلها تقع أسيرة إنتاج أو عرض المسلسلات التاريخية من دون أن تفكر في الدراما الاجتماعية التي تناقش مشكلات المجتمع وسبل علاجها وفق رؤية دينية وإنسانية، كذلك وجود قدر من ضعف الأداء الفني في بعض الأعمال الدرامية التي قدمتها تلك الفضائيات، وهو ما جعل الفضائيات والقنوات تنصرف عن إنتاج تلك الدراما وتلجأ إلى البديل الأسهل وهو تحويل الفضائيات إلى منابر خطابية وفقط.

 
   
 

 
           

 



أفضل 10مواقع إسلامية2020

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..هل أصبح موضة قديمة..؟

التسول ظاهرة اقتصادية.. والإسلام منها بريء


ما قل ودل من كتاب أدب الدنيا والدين

التمييز العنصرى ظلم ولكن...

فرح المؤمنين بمساجدهم


الداعية والمفكر الإسلامي الدكتور عمر عبدالكافي في حوار صريح

القضاء والقدر

جلول حجيمي :لا لمحاولات نشر التشيّع في الجزائر


الحرب على الحجاب تتمدد بالغرب

الإسلاموفوبيا تغزو الجامعات البريطانية

إبادة مسلمي ميانمار جريمةٌ حكومية ومسؤولية دولية




من تصميم
من نحن
إتصل بنا
islamarabi.com © 2015-2010
html hit counter
مقالات
مسلمون حول العالم
الرقية الشرعية
الطب النبوي
طريق التوبة
تفسير الاحلام
التنمية البشرية
بستان الحكمة
قضايا إسلامية
للأخوات فقط
فتاوى
مختارات
القدس
ملفات
أخبار و تقارير
حوارات