ملفات حوارات قضايا مختارات فتاوى أخبار و تقارير الرئيسية


الرجال لا يولدون بل يُصنعون

 

 
 

الشيخ أبو إسماعيل خليفة


إن مما يجب على الأم والأب وعلى المربي بوجه عام أن يتمتع بشخصية قوية حازمة في تربية الأبناء وهذا لا ينتفي إبداء الحنان والمحبة والعطف عليهم.. وإنه من المعلوم أن الطفل يقوم بأنواع كثيرة من السلوكيات بعضها يقوم بها عشوائيًا لاكتساب التجارب الحياتية وبعضها تقليدًا للأفراد الذين يراهم في محيطه أو ما يراه في الأجهزة المرئية وواجب الأبوين ملاحظة هذا السلوك وتعديل الخاطئ منه وتشجيعه على ما يكون صوابًا. فالأبناء في صغرهِم أكثرُ استقبالاً واستفادةً من التربية. 
قد ينفعُ الأدبُ الأولادَ في صغر * وليس ينفعُهم من بعـده أدبُ 
الغصونُ إذا عدلتها اعتـدلت * ولا يلينُ ولو لينتـهُ الخشب


حزم..
والحزم في تربية الأولاد هو أسلوب المربي الناجح وهو كما أراه ويراه غيري: القوة مع المرونة أي حزم ولكن منبعه الرحمة حزمٌ وسطٌ بين القسوة والغضب وبين التدليل الزائد والضعف في المعاملة. وصدق هارون الرشيد عندما وصَّى مؤدبَ ولده الأمين: ولا تُمْعِن في مسامحته فيَسْتَحْلِيَ الفراغ ويألفه وقوّ مه ما استطعت بالقرب والملاينة فإن أباهما فعليك بالشدة والغلظة .
إنه ـ أيها الآباء والأمهات ـ التوازن والحكمة في تربية الأولاد وفي معاملتهم حتى لا نفقدهم قبل أن يفقدونا واغتنام سنين العمر الذهبية عند الصغير بالتربية الجادة من أقوى وأرسخ أنواع التربية. إنه حزمٌ كالدواء يُحتاج إليه في حالات معينة قد سبقها محاولات أخرى باللين متعددة الطرق والوسائل يحتاج المربي إليه الوالد أو المربي عند الضرورة وهو آخر العلاج والدواء وكما قيل: فقسا ليزدجروا ومن يك حازما * فليقسُ أحيانا على من يرحم كتب ابن الجوزي في كتابه صيد الخاطر عن التربية فقال: فإنك إن رحمت بكاءه لم تقدر على فطامه ولم يمكنك تأديبه فيبلغ جاهلاً فقيرًا!. أي أنك لو رحمت بكاء الإبن في كل مرة تعاقبه على خطأ أو تحرمه من مكافأة رغبة في تربيته فلو رحمته ومنعت العقاب فإنك لن تستطيع تربيته وتقويمه أبدًا ويكبر وقد أصبح شخصًا غير صالح..
يروي لنا التاريخ: أن عمر بن عبد العزيز كان قد أرسله أبوه وهو شاب صغير إلى المدينة المنورة ليتعلم فيها الفقه وعلوم الدين وكان صالح بن كيسان مؤدّبه والقائم على أمر ملازمته وتوجيهه وإرشاده. وفي ذات يوم انتبه هذا المؤدب أن عمر بن عبد العزيز لم يحضر صلاة الجماعة وتخلف عنها فذهب إليه ليستطلع الأمر. فسأله قائلاً: ما أخّرك عن صلاة الجماعة؟. فأجاب عمر: كانت مرجّلتي تسكّن شعري. فأجابه صالح متعجباً: وبلغ من تسكين شعرك أنه يؤخرك عن الصلاة؟!. وكتب بذلك إلى أبيه عبد العزيز بن مروان فما كان من أبيه إلا أن أمر بحلق رأسه تأديباً له وتربية وتعليماً حتى لا يعود لمثلها. (سير أعلام النبلاء 9/133). إيه .. إيهْ.. فهل يستطيع أحدكم اليوم أن يفعلها مع أحد أولاده؟. إنها الشدة والحزم في ضبط الأمور وحسن التصرف تجاه أخطاء الأبناء ولكن بحكمة وحبّ وبهدف إصلاح الخطأ والتوجيه نحو الأفضل دون إبطاء أو تراخ أو تجاهل ولا يصنع الرجال إلا من هذا المضمار ولا يتخرجون إلا من مدرسة المتابعة والتقويم المستمر. فلقد فهم هذا المعلم وذلك الأب أن صناعة الرجال لها أسس وقوانين ولها أسباب ووسائل يأتي الحزم على رأسها حيث أن الخطأ له اسم واحد هو الخطأ لا غير وحيث أن الحق له مظهر ثابت وهو أنه ميزان العدل ومظهر الرحمة.. ولكن ببالغ الأسى وشديد الأسف.. لو التفتنا حولنا لوجدنا تقصيرا كثيرا من الآباء والأمهات في حق أبنائهم بل أجزم أن بعض الآباء لا يدري عن ابنه أين ينام؟ وأين يذهب؟ ومن أين يأكل؟ ومن أين يأخذ مصروفه؟ بل بعضهم لا يدري في أية سنة يدرس أبناؤه؟!. أما هل يصلي أم لا فتلك الطامة الكبرى؟. فهل يقال: إنه يجب أن نعيد تربية الآباء ليقوموا بدورهم نحو أبنائهم كما يجب؟. إن الذي يلام عليه الأب بشدة وينتقد بسببه بقوة هو عدم وفائه بالتزامات أبنائه من متطلبات التربية ومسؤولية الأمانة أمانةٌ فرط فيها واستهان بأمرها ولم يرْعها حق رعايتها فأضاع أولاده وأهمل تربيتهم فلا يسأل عنهم ولا يوجههم. وإذا رآى منهم تمردًا أو انحرافًا بدأ يتذمر ويشكو من ذلك وما علم أنه هو السبب الأول في ذلك التمرد والانحراف. 


جواهر نفيسة 
الأولاد وخصوصا في سنواتهم الأولى قلوبهم طاهرة جواهر نفيسة خالية من كل نقش وصورة وهم قابلون لكل ما ينقش عليها فإن عُوِّدُوا الخير والمعروف نشأوا عليه وسُعِدوا في الدنيا والآخرة وشاركوا في ثواب والديهم ولحقتهم دعواتهم وإن عُوِّدُوا الشر والباطل شقُوا وهلكُوا وكان الوِزْرُ في رقبة والديهم. وما أجمل مقولة عمر بن عبد العزيز رحمه الله: الصلاح من الله والأدب من الآباء وما أجمل عبارة: إن وراء كل رجل عظيم أبوين مربيين وكما يقول بعض أساتذة علم النفس: أعطونا السنوات السبع الأولى للأبناء نعطيكم التشكيل الذي سيكون عليه الأبناء وكما قيل: الرجال لا يولدون بل يُصنعون. وكما عبر الشاعر: 
وينشأُ ناشئُ الفتيانِ مِنا * على ما كان عَوَّدَهُ أبُوهُ 
وإن إهمال تربية الأبناء جريمة يترتب عليها أَوْخَم العواقب كما قال الشاعر: 
إهمالُ تربية البنين جريمةٌ *عادت على الآباء بالنكباتِ 
فيا أيها الآباء.. إن الحديث في ذا الموضوع طويلٌ دقيق وتصعبُ الإحاطةُ به ولكن كما قيل: يكفي من القلادةِ ما أحاطَ بالعنق. وهذه إيماءة أو إشارة ارتأيت أن أقدها لكم ولها ما وراءها ولا أريدكم أن تكونوا كالعزيز بن مروان فليس ابنكم كعمر بن عبد العزيز فالطبيعة الإنسانية مختلفة وكل قفل له مفتاحه وكل عقل له ما يثير اهتمامه.. أطفالنا فلذات أكبادنا تمشي على الأرض فلنحسن التعامل معهم...
والله أسأل أن يُصلحَ نياتنا وذرياتنا وأن يقر أعيننا بصلاحِ جميع أولادِ المسلمين. وهو سبحانه من وراء القصد وهو يهدي السبيل..

 
   
 

 
           

 



أفضل 10مواقع إسلامية2020

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..هل أصبح موضة قديمة..؟

التسول ظاهرة اقتصادية.. والإسلام منها بريء


ما قل ودل من كتاب أدب الدنيا والدين

التمييز العنصرى ظلم ولكن...

فرح المؤمنين بمساجدهم


الداعية والمفكر الإسلامي الدكتور عمر عبدالكافي في حوار صريح

القضاء والقدر

جلول حجيمي :لا لمحاولات نشر التشيّع في الجزائر


الحرب على الحجاب تتمدد بالغرب

الإسلاموفوبيا تغزو الجامعات البريطانية

إبادة مسلمي ميانمار جريمةٌ حكومية ومسؤولية دولية




من تصميم
من نحن
إتصل بنا
islamarabi.com © 2015-2010
html hit counter
مقالات
مسلمون حول العالم
الرقية الشرعية
الطب النبوي
طريق التوبة
تفسير الاحلام
التنمية البشرية
بستان الحكمة
قضايا إسلامية
للأخوات فقط
فتاوى
مختارات
القدس
ملفات
أخبار و تقارير
حوارات