ملفات حوارات قضايا مختارات فتاوى أخبار و تقارير الرئيسية


الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الناس التضحية

 

 
 

امنن علينا رسول الله في كرم ***  فإنك المرء نرجوه وندخر
امنن علي نسوة قد عاقها قدر *** ممزق شملها في دهرها غير
لا تجعلنا كمن شالت نعامته *** واستبق منا فإنا معشر زهر
إنا لنشكرك النعمى وإن كثرت *** وعندنا بعد هذا اليوم مدّخر
أنشد هذه الأبيات زهير أبو صرد من بني سعد بن بكر بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وقد جاء مع وفود هوازن يستعطفونه بعد أن سباهم بحنين وقد فرق الأموال وقسم السبي فذكروه حرمة رضاعه فيهم من لبن حليمة وكانت من هوازن، وقالوا يا رسول الله لنا أهل وعشيرة وقد أصابنا من البلاء ما لا يخفى عليك فامنن علينا منّ الله عليك ثم قام زهير أبو صرد بعد أن أنشد الأبيات المتقدمة وقال: يا رسول الله إنما في الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك اللائي كن يكفلنك، ولو أنّا أرضعنا الحرث بن أبي شمر الغساني أو النعمان ابن المنذر لرجونا عطفه وأنت خير الكفيلين·
فنظر إليه وإلى وفودهم وكانت نشوة الظفر والنصر آخذة كل مأخذ من نفوس المسلمين بعد أن أبلوا في وقعة حنين بلاءهم الشديد فقال رسول الله: أبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم؟ فقالوا: وهم يتسكعون ويستعطفون ولم يكادوا يصدقون بما يسمعون: خيرتنا بين أموالنا وأحسابنا· فإنا نختار أحسابنا فهل ترد علينا أبناءنا ونساءنا فهم أحب إلينا من أموالنا؟
وهنا حانت الفرصة التي طالما كان رسول الله ينتهزها ليقوم بهداية المسلمين بالفعل لا بالقوة ويسن لهم طريقاً رشداً فقال: أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم وكانت جموع المسلمين حاضرة تشتغل في قسمة الأموال والسبايا وتسرّ بها، وكانت من قبائل مختلفة وما زال عهدهم في النزعات الجاهلية قريباً، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف كيف يهذب من نفوسهم ويلقي عليها من بهاء رسالته ما يردها إلى الصراط السوي، والنزاع بين القديم والجديد وبين الدين الحديث ومقاومة التقاليد لا يكون سهلاً ولا يمحى أثره إلا بعد وقت طويل·
وبعد أن أعطاهم هذا المثل الرائع في التضحية لخدمة مصلحة المسلمين العامة قالت قريش: ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت الأنصار: ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم· وقال الأقرع بن حابس وقد أخذته النعرة الجاهلية: أما أنا وبنو تميم فلا، فتبعه عيينة بن حفص بمثل قوله عنه وعن بني فزارة وقال العباس بن مرؤي السلمي: أما أنا وبنو سليم فلا· فقامت بوجهه بنو سليم وقالت: ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم· ثم التفت رسول الله للقوم قائلاً: أما من تمسك منكم بحقه من هذا السبي فله بكل إنسان ست قلائص فردوا إلى الناس أبناءهم ونساءهم· وما زال حتى رد جميع السبايا واستوثق من ذلك·
وفي الحق أن الرسول أعطانا دروساً عظيمة في مثل هذه المواقف فقد سعى كثيراً لينتزع من نفوس القوم هذه النزعات الجاهلية ويستبدلها بالنفسية الإسلامية التي كانت مظهراً من مظاهر الإيمان المطلق والتضحية والإيثار والصدق والأمانة والكف عن المحارم والمآثم ولكن انطباع هذه التعاليم الإسلامية السامية في النفوس والطباع أخذ وقتاً ليس بالقليل وقد قسم المؤرخون الصحابة إلى طبقات وأوصلها بعضهم إلى اثنتي عشرة طبقة كما ورد في تاريخ أبي الفداء·
قال الله تعالى: (لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى)[الحديد: 10] وكان رسول الله يروض نفوس الكثيرين بالعبر والحكمة، والموعظة الحسنة ولا أدل على ذلك من متابعة موضوعنا هذا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما فرغ من رد سبايا هوازن ركب واتبعه الناس يقولون: يا رسول الله أقسم علينا فيئنا· وعلق رداؤه بشجرة فقال: ردوا علي ردائي أيها الناس فوالله لو كان لي عدد أوراقها من النعم لقسمتها عليكم ثم لا تجدوني بخيلاً ولا جباناً ولا كذاباً ثم رفع وبرة من سنام بعير وقال: ليس لي من فيئكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس وهو مردود عليكم·
بمثل هذه الأخلاق السامية والدروس العملية كان هذا النبي العربي صلى الله عليه وسلم يعلم الناس واجبهم ويقوم بتهذيبهم ويشجعهم على التضحية والبذل في سبيل الله ويؤلف بين قلوبهم، وبمثل هذا أسس هذا الملك الفخم وقام بهذه الدعوة الصالحة التي قلبت وجه التاريخ الإنساني·
كان الرسول يعلم الناس الواجب، ويكون هو القدوة الأولى· والتضحية، ويكون هو المضحي الأول· والثورة على الباطل، ويكون هو الثائر الأول في سبيل الحق·
قال أبو سعيد الخدري: لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى من تلك الغنائم في قريش وقبائل العرب ولم يعط الأنصار شيئاً وجدوا في أنفسهم حتى قال قائلهم:
لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه· فأخبر سعد بن عبادة رسول الله بذلك· فقال له: فأين أنت من ذلك يا سعد؟
قال: ما أنا إلا من قومي· قال: فاجمع قومك، وقد أراد بذلك أن يعلمهم منزلتهم عنده من الصدق والإخلاص وكان يرى وجوب تقريب المؤلفة قلوبهم والذين لم يكونوا من السابقين الأولين، ويرى أن يكون من الأنصار مثل أعلى في التضحية والإيثار والثبات كما كان شأنهم من قبل وأراد أن يخصهم بهذه الميزة الكبرى فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن اجتمعوا وقال: ما حديث بلغني عنكم! ألم آتكم ضُلّالاً فهداكم الله بي؟ وفقراء فأغناكم الله بي؟ وأعداء فألف بين قلوبكم بي؟ قالوا: بلى والله يا رسول الله· ولله ورسوله المن والفضل فقال: ألا تجيبوني؟ قالوا: بماذا نجيبك؟ فقال: والله لو شئتم لقلتم فصدقتم: أتيتنا مكذَّباً فصدقناك! ومخذولاً فنصرناك! وطريداً فآويناك! وعائلاً فواسيناك! أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاة من الدنيا تألفت بها قوماً ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم أفلا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله إلى رحالكم فقالوا: رضينا برسول الله قسماً وحظاً!··
وهكذا علمهم الرسول بحكمته الباهرة معنى الإسلام وقوة الإسلام وقيمة هذا الإسلام الذي يجب أن يكون مبلغهم من العزة والمنعة وسؤددهم الذي يفاخرون به ليكونوا قدوة للآخرين والمتأخرين ويدون لهم فضل السبق في الأولين والعزة بين المسلمين والتضحية في سبيل الحق المبين·

* عن مجلة التمدن الإسلامي -بتصرف-
لطفي الحفار

 
   
 

 
           

 



أفضل 10مواقع إسلامية2020

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..هل أصبح موضة قديمة..؟

التسول ظاهرة اقتصادية.. والإسلام منها بريء


ما قل ودل من كتاب أدب الدنيا والدين

التمييز العنصرى ظلم ولكن...

فرح المؤمنين بمساجدهم


الداعية والمفكر الإسلامي الدكتور عمر عبدالكافي في حوار صريح

القضاء والقدر

جلول حجيمي :لا لمحاولات نشر التشيّع في الجزائر


الحرب على الحجاب تتمدد بالغرب

الإسلاموفوبيا تغزو الجامعات البريطانية

إبادة مسلمي ميانمار جريمةٌ حكومية ومسؤولية دولية




من تصميم
من نحن
إتصل بنا
islamarabi.com © 2015-2010
html hit counter
مقالات
مسلمون حول العالم
الرقية الشرعية
الطب النبوي
طريق التوبة
تفسير الاحلام
التنمية البشرية
بستان الحكمة
قضايا إسلامية
للأخوات فقط
فتاوى
مختارات
القدس
ملفات
أخبار و تقارير
حوارات