ملفات حوارات قضايا مختارات فتاوى أخبار و تقارير الرئيسية


العدل الأسري·· بواعثه وثماره

 

 
 

لا أحد ينكر أن العدل الأسري يمثل الركن الرئيسي من أسس بناء هذا الكيان الاجتماعي صونًا له وحفاظًا عليه، بل مساهمًا بقدر كبير في خلق مناخ الاستقرار وما ينبغي عليه أن يكون من هوية تربوية أخلاقية، هذا المناخ الذي تسوده مظاهر الألفة والمودة إثر هذا العدل الذي مقصده البناء والاستقرار تواصلًا وتلاحمًا·
ولما كانت الأسرة هي لبنة المجتمع وصورته وصداه، كان لزامًا أن يأخذ العدل طريقه بدءًا من عالم الأسرة إلى عالم المجتمع، وذلك لأن هذا الكون قد بني أساسًا على سمة العدل الإلهي امتثالًا لقدرة خالقه في قوله تعالى:{وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ المِيزَانَ أَلَّا تَطْغَوْا فِي المِيزَانِ وَأَقِيمُوا الوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا المِيزَانَ}(الرحمن:7-9)، وفي قوله تعالى:{إِنَّ الله يَأْمُرُ بالْعَدْل وَالإحْسَان}(النحل:90)، فالعدل هنا أشمل وأعم، وحسب مقتضى الحال، وما تقتضيها المواقف الحياتية المختلفة·
والعدل الأسري هو أن تسير الحياة الأسرية على قوانين لا تعرف الميل والتمييز والتحيز والتفرقة بين أفرادها، قوانين تستمد أصولها من قوانين الله في خلقه والتي تسير هذا الكون، على أن تطبيق هذا العدل هو مسؤولية الوالدين تضامنًا واتفاقًا والتزامًا وتفعيلًا، وأن تكون ممارسة هذا العدل قاسمًا مشتركا بينهما لتسير الحياة الأسرية تحكمها وحدة الهدف والطابع والطموح والتربية، وهذا أمر واجب على الوالدين ملزم لتكون الثمار ناضجة، ونتلذذ بقطفها، وتذوقها النفوس التي تميل إلى المثالية والطموح، وإلى هذا المناخ المجتمعي الذي يسوده النقاء والصفاء·
وتظهر دلائل وظواهر العدل الأسري من خلال تعامل الوالدين لأبنائهما في المناحي الحياتية المختلفة انطلاقا من حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (كلم راع وكلكم مسؤول عن رعيته··) وتتوقف هذه الرعاية على الوعي الكامل، وإدراك الوالدين للمسؤولية التربوية والنفسية، والتمسك بالأصول القرآنية ونصوص السنة النبوية الشريفة في الدعوة والتمسك بالعدل، وتفهم سبله وإرسائه بغية عدم الجنوح من الأبناء إثر-ولو-هفوة عابرة من تحيز أو تمييز من الوالدين لأحد الأبناء حتى ولو كان دون قصد أو عمد·
وتبدو مظاهر العدل الأسري واضحة جلية فيما يلي:
المشاعر··
وهو من أدق وأخطر أنواع ممارسة العدل الأسري من الوالدين لأبنائهما، فمن الأفضل أن يصحب هذه الممارسة الحيطة والحذر من انفلات معيار الحب أو الكره زيادة أو نقصًا أو منعًا(عدمًا) لفرد دون الآخر، لأن دوافع ذلك تخضع لذكاء ومهارة وحنكة الوالدين واتفاقهما في المشاعر، فالمساواة في التدليل والتودد والحرص والقلق والنظرة والحديث والتفاعل مع الأبناء هو أرقى درجات العدل الذي يقود إلى الرضا والقناعة والمودة من الأبناء، على النقيض فأي هزة أو سقطة أو تفاوت في هذا المحور يؤدي إلى إضمار الحقد، وشحن النفوس كرهًا وعداوة وبغضاء·
الإنفاق··
وفي هذا المحور يلزم الوالدان الحذر كل الحذر الميل إلى أحد الأبناء إنفاقًا وبذخًا حبًا في صفة ما، أو ميلًا ورغبة، أو تحقيقًا لهدف دون الآخر من الأبناء، على أنه من الطبيعي أن كل الأبناء يأخذون حقهم من الإنفاق عدلًا وإنصافًا، كمًا وكيفًا، لأن إحقاق الحق مراعاة لحق الله في الرعاية، وأمانة الوالدين في تلك المسؤولية تقتضي معها صرامة العدل، وقوة الحق دون محاباة أو مجاملة تطلعًا للراحة النفسية، وإرضاء للضمير تجاه الله، فمهما تبلغ الأمور ذروتها في دواعي الإنفاق لابد من توخي الحذر من عواقب الإفراط في المجاملة والمحاباة من ناحية، والمنع والحرمان من ناحية أخرى، فالعدل في مساواة الإنفاق مردوده الحب وقوة الترابط ودوام الصلة وقوتها·
التعليم··
رغم أن هذا المحور يخضع لمبدأ الفروق الفردية بين الأبناء، فلابد من الفطنة له ومراعاته مع توافر المناخ الصالح لمستوى التعليم لكل الأبناء، فالأمر جد خطير، لأنه تتمخض عنه ثقافات متضاربة ينتج عنها سفاهة الكلمة، وتنافر الآراء وطيش العقول، ولكن العدل في تعليم الأبناء يخلق وحدة الفكر والثقافة والرأي والهدف وروعة الحوار والإبداع والجدل المثمر ويضفي على الأبناء راحة الوجدان وسمو التعامل ولباقة الأسلوب·
الميراث··
والعدل في الميراث قانون إلهي سماوي أقره الله على عباده في كتابه الحكيم، حيث أمر وفصل وحذر تجنبًا ودرءًا للفتن والشقاق والكره والحقد، فعلى الوالدين وولي الأمر أخذ الحيطة الشديدة فيتقي الله في نفسه والآخرين، وأن يصل إلى أرقى درجات السمو النفسي والأخلاقي في ممارسة توزيع الميراث بالعدل المطلق والذي لا تشوبه شائبة، وألا تسيطر عليه نوازع الهوى والعصبية وحمق الجاهلية·
وأساس العدل في الميراث هو تقوى الله التي تقود إلى الوضوح والشفافية والبشاشة بين الأبناء وإرساء دعائم الحق دون زيغ أو حيف، وهنا يبرز دور المؤسسات الدينية والتربوية والإعلامية في مقاومة هذا الإخطبوط الذي يمسك بتلابيب بعض العائلات والقبائل التي تحرم الأنثى من الميراث، بحجة خاطئة وفهم عقيم هو أنه لا تذهب الثروات والميراث أيًا كانت للأزواج الغرباء عن القبيلة أو العائلة، وبذلك تضمحل قيمة هيبة العائلة بين الحين والآخر، وتضيع أصولها وجذورها، هذا المفهوم الخاطئ الذي لابد وأن تتم مقاومته، واستيعاب وفهم ما أقره الدين ودعا إليه وحذر منه والدعوة-التي لا تنقطع-إلى تصحيح هذه المفاهيم دعوة وتفهمًا وتوعية·
التربية··
والمقصود هنا هوية التربية والتنشئة لجميع الأبناء، أي أن جميعهم يلقون تربيتهم بين دفء الوالدين، وإقرار المساواة في منح الثواب وتوقيع العقاب إثر سلوك ما من الأبناء بعيدًا عن المجاملة والمحاباة لواحد والقسوة والعنف والإهانة لآخر، فالعدل هنا يقتضي الذكاء من الوالدين والحنكة في إدارة الأمور حيال تصرفات الأبناء وسلوكهم، وعدم تفويت الفرصة بالتشجيع للمحسن والتنبيه على المسيء، والأخذ بيده وعدم الإقلال من شأنه، أو الإهدار من قيمته وكيانه، والحذر في المبالغة في التدليل والمبالغة في القسوة، بل يمتد العدل إلى إكساب الأبناء جميعًا الفضائل وتنفيرهم من الرذائل، على أن احترام قدرات الأبناء وفروقهم الفردية لابد أن تناله عدالة التقدير من ناحية، وتركيز وترسيخ دعائمها من ناحية أخرى، فالعدل التربوي لا يسمح بوجود التضاد اهتمامًا أو إهمالًا بل يلزم نسقًا واحدًا لا يعرف الحيد أو الميل·
على أن تطبيق العدل فيما سبق من محاور متباينة يلزمه الحزم والصرامة والقوة في اتخاذ القرار دون ميل أو هوى، فالأسرة هي مجتمع صغير أساس بقائه إقرار العدل، وأساس استقراره التكيف النفسي والوجداني الذي هو نتاج سياسة راعي الرعية الذي لابد أن يعلم أن فقد العدل الأسري وتجاهله هو هدم لكيان، وهزة لبنيان الأصل فيه الصلابة والتماسك والتلاحم، وإرساؤه هو إرساء لعالم التكيف النفسي الذي بدونه لا يستقيم السلوك ولا تعتدل أمور الحياة·
إن ثمار العدل الأسري يتوقف قطفها والتلذذ بها على حنكة وخبرة وبعد نظر راعي الرعية، وفراسته تجاه أمور رعيته دون نوازع داخلية واضعًا نصب عينيه تقوى الله التي هي أساس العدل الذي هو نظام للكون والبشر·
* عن مجلة الوعي الإسلامي
أ· عثمان إسماعيل

 
   
 

 
           

 



أفضل 10مواقع إسلامية2020

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..هل أصبح موضة قديمة..؟

التسول ظاهرة اقتصادية.. والإسلام منها بريء


ما قل ودل من كتاب أدب الدنيا والدين

التمييز العنصرى ظلم ولكن...

فرح المؤمنين بمساجدهم


الداعية والمفكر الإسلامي الدكتور عمر عبدالكافي في حوار صريح

القضاء والقدر

جلول حجيمي :لا لمحاولات نشر التشيّع في الجزائر


الحرب على الحجاب تتمدد بالغرب

الإسلاموفوبيا تغزو الجامعات البريطانية

إبادة مسلمي ميانمار جريمةٌ حكومية ومسؤولية دولية




من تصميم
من نحن
إتصل بنا
islamarabi.com © 2015-2010
html hit counter
مقالات
مسلمون حول العالم
الرقية الشرعية
الطب النبوي
طريق التوبة
تفسير الاحلام
التنمية البشرية
بستان الحكمة
قضايا إسلامية
للأخوات فقط
فتاوى
مختارات
القدس
ملفات
أخبار و تقارير
حوارات